فصل: قال ابن عطية:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.قال ابن عطية:

{أو} للتخيير، معناه مثلوهم بهذا أو بهذا، لا على الاقتصار على أحد الأمرين، وقوله: {أو كصيّب} معطوف على {كمثل الذي}. وقال الطبري: {أو} بمعنى الواو.
قال القاضي أبو محمد وهذه عجمة، والصيب المطر من صاب يصوب إذا انحط من علو إلى سفل، ومنه قول علقمة بن عبدة: الطويل:
كأنهمُ صابتْ عليهمْ سحابةٌ ** صواعقها لطيرِهِنَّ دبيبُ

وقول الآخر: الطويل:
فلستِ لإنسيٍّ ولكن لملأكٍ ** تنّزلَ من جوِّ السماءِ يصوبُ

وأصل صيّب صَيْوب اجتمع الواو والياء وسبقت إحدهما بالسكون فقلبت الواو ياء وأدغمت، كما فعل في سَيّد ومَيّت.
وقال بعض الكوفيين: أصل صيّب صَوِيب على مثال فعيل وكان يلزمه أن لا يعل كما لم يعل طويل، فبهذا يضعف هذا القول.
وقوله تعالى: {ظلمات} بالجمع، إشارة إلى ظلمة الليل وظلمة الدجن ومن حيث تتراكب وتتزايد جمعت، وكون الدجن مظلمًا هول وغم للنفس، بخلاف السحاب والمطر إذا انجلى دجنه، فإنه سارٌّ جميل، ومنه قول قيس بن الخطيم: المتقارب:
فما رَوْضةٌ من رياضِ القطا ** كأَنَّ الْمَصَابِيحَ حوذانها

بأحسنَ مِنْها ولا مَزنةٌ ** دلوحٌ تَكشّفُ أدجانُها

واختلف العلماء في الرعد: فقال ابن عباس ومجاهد وشهر بن حوشب وغيرهم: هو ملك يزجر السحاب بهذا الصوت المسموع كلما خالفت سحابة صاح بها، فإذا اشتد غضبه طار النار من فيه، فهي {الصواعق} واسم هذا الملك الرعد، وقيل الرعد ملك، وهذا الصوت تسبيحه، وقيل الرعد اسم الصوت المسموع، قاله علي بن أبي طالب رضي الله عنه، وهذا هو المعلوم في لغة العرب، وقد قال لبيد في جاهليته: المنسرح.
فجعني الرعدُ والصواعقُ بالـ ** ـفارسِ يومَ الكريهةِ النجدِ

وروي عن ابن عباس أنه قال: الرعد ريح تختنق بين السحاب فتصوت ذلك الصوت.
وقيل: الرعد اصطكاك أجرام السحاب.
وأكثر العلماء على أن الرعد ملك، وذلك صوته يسبح ويزجر السحاب.
واختلفوا في البرق:
فقال علي بن أبي طالب: هو مخراق حديد بيد الملك يسوق به السحاب.
وقال ابن عباس: هو سوط نور بيد الملك يزجي به السحاب.
وروي عن ابن عباس رضي الله عنه أن البرق يتراءى، وقال قوم: البرق ماء، وهذا قول ضعيف.
والصاعقة: قال الخليل: هي الواقعة الشديدة من صوت الرعد يكون معها أحيانًا نار، يقال إنها من المخراق الذي بيد الملك، وقيل في قطعة النار إنها ماء يخرج من فم الملك عند غضبه.
وحكى الخليل عن قوم من العرب الساعقة بالسين.
وقال النقاش: يقال صاعقة وصعقة وصاقعة بمعنى واحد.
وقرأ الحسن بن أبي الحسن من الصواقع بتقديم القاف. قال أبو عمرو: وهي لغة تميم.
وقرأ الضحاك بن مزاحم حذار الموت بكسر الحاء وبألف. واختلف المتأولون في المقصد بهذا المثل وكيف تترتب أحوال المنافقين الموازنة لما في المثل من الظلمات والرعد والبرق والصواعق.
فقال جمهور المفسرين: مثل الله تعالى القرآن بالصيب لما فيه من الإشكال عليهم. والعمى: هو الظلمات، وما فيه من الوعيد والزجر هو الرعد، وما فيه من النور والحجج الباهرة التي تكاد أن تبهرهم هو البرق وتخوفهم وروعهم وحذرهم هو جعل أصابعهم في آذانهم، وفضح نفاقهم، واشتهار كفرهم، وتكاليف الشرع التي يكرهونها من الجهاد والزكاة ونحوه هي الصواعق.
قال القاضي أبو محمد عبد الحق رضي الله عنه: وهذا كله صحيح بين.
وروي عن ابن مسعود أنه قال: إن رجلين من المنافقين هربا من النبي صلى الله عليه وسلم إلى المشركين فأصابهما هذا المطر الذي ذكر الله وأيقنا بالهلاك، فقالا: ليتنا أصبحنا فنأتي محمدًا ونضع أيدينا في يده، فأصبحا وأتياه وحسن إسلامهما، فضرب الله ما نزل بهما مثلًا للمنافقين.
وقال أيضًا ابن مسعود: إن المنافقين في مجلس رسول الله صلى الله عليه وسلم كانوا يجعلون أصابعهم في آذانهم لئلا يسمعون القرآن، فضرب الله المثل لهم.
قال القاضي أبو محمد: وهذا وفاق لقول الجمهور الذي ذكرناه.
وقل قوم: الرعد والبرق هما بمثابة زجر القرآن، ووعيده. اهـ.

.قال ابن الجوزي:

قوله تعالى: {أو كصَيِّبٍ من السمَاء}.
أو، حرف مردود على قوله: {مثلهم كمثل الذي استوقد نارًا} [البقرة: 17] واختلف العلماء فيه على ستة أقوال:
أحدها: أنه داخل هاهنا للتخيير، تقول العرب: جالس الفقهاء أو النحويين، ومعناه: أنت مخير في مجالسة أي الفريقين شئت، فكأنه خيرنا بين أن نضرب لهم المثل الأول أو الثاني.
والثاني: أنه داخل للإبهام فيما قد علم الله تحصيله، فأبهم عليهم مالا يطلبون تفصيله، فكأنه قال: مثلهم كأحد هذين.
ومثله قوله تعالى: {فهي كالحجارة أو أشد قسوة} [البقرة: 74] والعرب تبهم ما لا فائدة في تفصيله.
قال لبيد:
تمنى ابنتاي أن يعيش أبوهما ** وهل أنا إِلا من ربيعة أو مضر

أي: هل أنا إلا من أحد هذين الفريقين، وقد فنيا، فسبيلي أن أفنى كما فنيا.
والثالث: أنه بمعنى: بل.
وأنشد الفراء:
بدت مثل قرن الشمس في رونق الضحى ** وصورتها أو أنت في العين أملح

والرابع: أنه للتفصيل، ومعناه: بعضهم يشبه بالذي استوقد نارًا، وبعضهم بأصحاب الصيّب.
ومثله قوله تعالى: {كونوا هودًا أو نصارى} [البقرة: 135] معناه: قال بعضهم، وهم اليهود: كونوا هودا، وقال النصارى: كونوا نصارى.
وكذا قوله: {فجاءها بأسنا بياتًا أو هم قائلون} [الأعراف: 4] معناه: جاء بعضهم بأسنا بياتًا، وجاء بعضهم بأسنا وقت القائلة.
والخامس: أنه بمعنى الواو.
ومثله قوله تعالى: {أن تأكلوا من بيوتكم أو بيوت آبائكم} [النور: 61] قال جرير:
نال الخلافة أو كانت له قدرًا ** كما أتى ربَّه موسى على قدر

والسادس: أنه للشك في حق المخاطبين، إذ الشك مرتفع عن الحق عز وجل، ومثله قوله تعالى: {وهو أهون عليه} [الروم: 27] يريد: فالإعادة أهون من الابتداء فيما تظنون.
فأما التفسير لمعنى الكلام: أو كأصحاب صيب، فأضمر الأصحاب، لأن في قوله: {يجعلون أصابعهم في آذانهم} دليلًا عليه.
والصيب: المطر.
قال ابن قتيبة: هو فيعل من صاب يصوب: إذا نزل من السماء، وقال الزجاج: كل نازل من علو إلى استفال، فقد صاب يصوب، قال الشاعر:
كأنهمُ صابت عليهم سحابة ** صواعقها لطيرهن دبيب

وفي الرعد ثلاثة أقوال:
أحدها: أنه صوت ملك يزجر السحاب، وقد روي هذا المعنى مرفوعًا إلى النبي صلى الله عليه وسلم، وبه قال ابن عباس ومجاهد.
وفي رواية عن مجاهد: أنه صوت ملك يسبح.
وقال عكرمة: هو ملك يسوق السحاب كما يسوق الحادي الإبل.
والثاني: أنه ريح تختنق بين السماء والأرض.
وقد روي عن أبي الجلد أنه قال: الرعد: الريح.
واسم أبي الجلد: جيلان بن أبي فروة البصري، وقد روى عنه قتادة.
والثالث: أنه اصطكاك أجرام السحاب، حكاه شيخنا علي بن عبيد الله.
وفي البرق ثلاثة أقوال:
أحدها: أنه مخاريق يسوق بها الملك السحاب، روي هذا المعنى مرفوعًا إلى النبي صلى الله عليه وسلم، وهو قول علي بن أبي طالب.
وفي رواية عن علي قال: هو ضربة بمخراق من حديد.
وعن ابن عباس: أنه ضربة بسوط من نور.
قال ابن الأنباري: المخاريق: ثياب تلف، ويضرب بها الصبيان بعضهم بعضًا، فشبه السوط الذي يضرب به السحاب بذلك المخراق.
قال عمرو بن كلثوم:
كأن سيوفنا فينا وفيهم ** مخاريق بأيدي لاعبينا

وقال مجاهد: البرق: مصع ملك، والمصع: الضرب والتحريك.
والثاني: أن البرق: الماء، قاله أبو الجلد.
وحكى ابن فارس أن البرق: تلألؤ الماء.
والثالث: أنه نار تنقدح من اصطكاك أجرام السحاب لسيره، وضرب بعضه لبعض، حكاه شيخنا.
والصواعق: جمع صاعقة، وهي صوت شديد من صوت الرعد يقع معه قطعة من نار تحرق ما تصيبه.
وروي عن شهر بن حوشب: أن الملك الذي يسوق السحاب، إذا اشتد غضبه، طار من فيه النار، فهي الصواعق.
وقال غيره: هي نار تنقدح من اصطكاك أجرام السحاب.
قال ابن قتيبة: وإنما سميت صاعقة، لأنها إذا أصابت قتلت، يقال: صعقتهم أي: قتلتهم. اهـ.

.قال أبو حيان:

أو كصيب: معطوف على قوله: {كمثل الذي استوقد} وحذف مضافان، إذ التقدير: أو: كمثل ذوي صيب، نحو قوله تعالى: {كالذي يغشى عليه من الموت} أي كدوران عين الذي يغشى عليه.
وأو هنا للتفصيل، وكان من نظر في حالهم منهم من يشبهه بحال المستوقد، ومنهم من يشبهه بحال ذوي صيب، ولا ضرورة تدعو إلى كون أو للتخيير.
وأن المعنى أيهما شئت مثلهم به، وإن كان الزجاج وغيره ذهب إليه، ولا إلى أن أو للإباحة، ولا إلى أنها بمعنى الواو، كما ذهب إليه الكوفيون هنا.
ولا إلى كون أو للشك بالنسبة للمخاطبين، إذ يستحيل وقوعه من الله تعالى، ولا إلى كونها بمعنى بل، ولا إلى كونها للإبهام، لأن التخيير والإباحة إنما يكونان في الأمر أو ما في معناه.
وهذه الجملة خبرية صرف.
ولأن أو بمعنى الواو، أو بمعنى بل، لم يثبت عند البصريين، وما استدل به مثبت ذلك مؤوّل، ولأن الشك بالنسبة إلى المخاطبين، أو الإبهام بالنسبة إليهم لا معنى له هنا، وإنما المعنى الظاهر فيها كونها للتفصيل.
وهذا التمثيل الثاني أتى كاشفًا لحالهم بعد كشف الأول.
وإنما قصد بذلك التفصيل والإسهاب بحال المنافق، وشبهه في التمثيل الأول بمستوقد النار، وإظهاره الإيمان بالإضاءة، وانقطاع جدواه بذهاب النور.
وشبه في الثاني دين الإسلام بالصيب وما فيه من الوعد والوعيد بالرعد والبرق، وما يصيبهم من الإفزاع والفتن من جهة المسلمين بالصواعق، وكلا التمثيلين من التمثيلات المفرقة، كما شرحناه.
والأحسن أن يكون من التمثيلات المركبة دون المفرقة، فلا تتكلف مقابلة شيء بشيء، وقد تقدم الإشارة إلى ذلك عند الكلام على التمثيل الأول، فوصف وقوع المنافقين في ضلالتهم وما حبطوا فيه من الحيرة والدهشة بما يكابد من طفئت ناره بعد إيقادها في ظلمة الليل، وبحال من أخذته السماء في ليلة مظلمة مع رعد وبرق وخوف من الصواعق، وإنما قدر كمثل ذوي صيب لعود الضمير في يجعلون.
والتمثيل الثاني أبلغ لأنه أدلّ على فرط الحيرة وشدة الأمر، ولذلك أخر فصار ارتقاء من الأهون إلى الأغلظ.
وقد رام بعض المفسرين ترتب أحوال المنافقين وموازنتها في المثل من الصيب والظلمات والرعد والبرق والصواعق، فقال: مثل الله القرآن بالصيب لما فيه من الإشكال، وعما هم بالظلمات والوعيد والزجر بالرعد والنور والحجج الباهرة التي تكاد أحيانًا أن تبهرهم بالبرق وتخوفهم بجعل أصابعهم، وفضح نفاقهم وتكاليف الشرع التي يكرهونها من الجهاد والزكاة ونحوها بالصواعق، وهذا قول من ذهب إلى أنه من التمثيل المفرق الذي يقابل منه شيء شيئًا من الممثل، وستأتي بقية الأقوال في ذلك، إن شاء الله تعالى.
وقرئ: أو كصايب، وهو اسم فاعل من صاب يصوب وصيب، أبلغ من صايب، والكاف في موضع رفع لأنها معطوفة على ما موضعه رفع.
والجملة من قوله: {ذهب الله بنورهم} إذا قلنا ليست جواب لما جملة اعتراض فصل بها بين المعطوف والمعطوف عليه، وكذلك أيضًا {صم بكم عمي} إذا قلنا إن ذلك من أوصاف المنافقين.
فعلى هذين القولين تكون الجملتان جملتي اعتراض بين المعطوف والمعطوف عليه، وقد منع ذلك أبو علي، وردّ عليه بقول الشاعر:
لعمرك والخطوب مغيرات ** وفي طول المعاشرة التقالي

لقد باليت مظعن أمّ أوفى ** ولكن أمّ أوفى لا تبالي

ففصل بين القسم وجوابه بجملتي الاعتراض.
من السماء متعلق بصيب فهو في موضع نصب ومن فيه لابتداء الغاية، ويحتمل أن تكون في موضع الصفة فتعلق بمحذوف، وتكون من إذ ذاك للتبعيض، ويكون على حذف مضاف التقدير، أو كمطر صيب من أمطار السماء، وأتى بالسماء معرفة إشارة إلى أن هذا الصيب نازل من آفاق السماء، فهو مطبق عام.
قال الزمخشري: وفيه أن السحاب من السماء ينحدر، ومنها يأخذ ماءه، لا كزعم من زعم أنه يأخذه من البحر، ويؤيده قوله تعالى: {وينزل من السماء من جبال فيها من برد} انتهى كلامه.
وليس في الآيتين ما يدل على أنه لا يكون منشأ المطر من البحر، إنما تدل الآيتان على أن المطر ينزل من السماء، ولا يظهر تناف بين أن يكون المطر ينزل من السماء، وأن منشأه من البحر.
والعرب تسمي السحاب بنات بحر، يعني أنها تنشأ من البحار، قال طرفة:
لا تلمني إنها من نسوة ** رقد الصيف مقاليت نزر

كبنات البحر يمأدن كما ** أنبت الصيف عساليج الخضر

وقد أبدلوا الباء ميمًا فقالوا: بنات المحر، كما قالوا: رأيته من كثب ومن كثم.
وظلمات: مرتفع بالجار والمجرور على الفاعلية، لأنه قد اعتمد إذا وقع صفة، ويجوز أن تكون فيه من موضع الحال من النكرة المخصصة بقوله: {من السماء} إما تخصيص العمل، وإما تخصيص الصفة على ما قدمناه من الوجهين في إعراب من السماء، وأجازوا أن يكون ظلمات مرفوعًا بالابتداء، وفيه في موضع الخبر.
والجملة في موضع الصفة، ولا حاجة إلى هذا لأنه إذا دار الأمر بين أن تكون الصفة من قبيل المفرد، وبين أن تكون من قبيل الجمل، كان الأولى جعلها من قبيل المفرد وجمع الظلمات، لأنه حصلت أنواع من الظلمة.
فإن كان الصيب هو المطر، فظلماته ظلمة تكاثفه وانتساجه وتتابع قطره، وظلمة: ظلال غمامه مع ظلمة الليل.
وإن كان الصيب هو السحاب، فظلمة سجمته وظلمة تطبيقه مع ظلمة الليل.
والضمير في فيه عائد على الصيب، فإذا فسر بالمطر، فمكان ذلك السحاب، لكنه لما كان الرعد والبرق ملتبسين بالمطر جعلا فيه على طريق التجوّز، ولم يجمع الرعد والبرق، وإن كان قد جمعت في لسان العرب، لأن المراد بذلك المصدر كأنه قيل: وإرعاد وإبراق، وإن أريد العينان فلأنهما لما كانا مصدرين في الأصل، إذ يقال: رعدت السماء رعدًا وبرقت برقًا، روعي حكم أصلهما وإن كان المعنى على الجمع، كما قالوا: رجل خصم، ونكرت ظلمات ورعد وبرق، لأن المقصود ليس العموم، إنما المقصود اشتمال الصيب على ظلمات ورعد وبرق.
والضمير في يجعلون عائد على المضاف المحذوف للعلم به، لأنه إذا حذف، فتارة يلتفت إليه حتى كأنه ملفوظ به فتعود الضمائر عليه كحاله مذكورًا، وتارة يطرح فيعود الضمير الذي قام مقامه.
فمن الأول هذه الآية وقوله تعالى: {أو كظلمات في بحر لجِّيِّ يغشاه موج من فوقه} التقدير، أو كذي ظلمات، ولذلك عاد الضمير المنصوب عليه في قوله: {يغشاه}.
ومما اجتمع فيه الالتفات والاطراح قوله تعالى: {وكم من قرية أهلكناها فجاءها بأسنا بياتًا أو هم قائلون} المعنى من أهل قرية فقال: فجاءها، فأطرح المحذوف وقال: أو هم، فالتفت إلى المحذوف.
والجملة من قوله: {يجعلون} لا موضع لها من الإعراب، لأنها جواب سؤال مقدر، كأنه قيل: فكيف حالهم مع مثل ذلك الرعد؟ فقيل: يجعلون، وقيل: الجملة لها موضع من الإعراب وهو الجر لأنها في موضع الصفة لذوي المحذوف، كأنه قيل: جاعلين، وأجاز بعضهم أن تكون في موضع نصب على الحال من الضمير الذي هو الهاء في فيه.
والراجع على ذي الحال محذوف ثابت الألف واللام عنه التقدير من صواعقه.
وأراد بالأصابع بعضها، لأن الأصبع كلها لا تجعل في الأذن، إنما تجعل في الأنملة، لكن هذا من الاتساع، وهو إطلاق كل على بعض، ولأن هؤلاء لفرط ما يهولهم من إزعاج الصواعق كأنهم لا يكتفون بالأنملة، بل لو أمكنهم السد بالأصبع كلها لفعلوا، وعدل عن الاسم الخاص لما يوضع في الأذن إلى الاسم العام، وهو الأصبع، لما في ترك لفظ السبابة من حسن أدب القرآن، وكون الكنايات فيه تكون بأحسن لفظ، لذلك ما عدل عن لفظ السبابة إلى المسبحة والمهللة وغيرها من الألفاظ المستحسنة، ولم تأت بلفظ المسبحة ونحوها لأنها ألفاظ مستحدثة، لم يتعارفها الناس في ذلك العهد، وإنما أحدثت بعد. اهـ.